عامر فتوحي في معرضه الشخصي الرابع
البحث عن فردوس آخر أو الفن الذي سيكون
الدستور - سالم ناصيف


الفنان والناقد التشكيلي العراقي عامر فتوحي غني عن التعريف في العراق فقد ساهم منذ أواخر عقد السبعينات في العديد من المعارض الفنية الجماعية داخل وخارج العراق وحاز عام 1984م على جائزة النقاد الخاصة في مهرجان الواسطي الرابع عن عمله (شرق)، كما قدم ثلاثة معارض شخصية (الزمن الصعب / بغداد 1981م)، (بيت الجنون / بغداد 1985م)، ( الغرفة / عمّان 1992م). هذا إضافة إلى كتاباته النقدية ودراساته التشكيلية وترجماته فقد ترأس قسم الفنون التشكيلية لمجلة فنون الواسعة الإنتشار.

في معرضه هذا قدم لنا الفنان فتوحي من خلال 48 عملاً توزعت ما بين تقنيات الزيت والأكريلك وأساليب المعالجة الطباعية وفق رؤية وتصور جديدين لماهية العمل الطباعي (الكرافيك) وقد أطلعنا في رحلة مدهشة على خلاصة بحثه التشكيلي وكوميديته السوداء الجديدة ذات الروح الساخرة من القوى المهيمنة على مقدرات البشر والمعطلة لأحلامهم وأمانيهم وطموحاتهم المشروعة في الحب والجمال والحياة. وقد كان لقدرته الهائلة على تطويع غزارة معرفته بأساطير ومعتقدات وتفاصيل الحياة اليومية في بلاد الرافدين العريقة أثر بارز في منجزه هذا ما مكنه على أخراج أعماله في إنثيالات عاجة بالرموز الموحية والمعبرة عن مواقف معاصرة.

أما على صعيد الرمز فقد أعتمد الفنان فتوحي على مفرداته البصرية الأوروكية (أوروك / الألف الرابع قبل الميلاد)، وفق تصور تعبيري يعتمد أكتشاف ماهية الهيئة الجديدة للشكل الأوروكي بعد أقصاء دلالته اللغوية مؤكداً على التضاد في السطوح من خلال الملمس البصري المتبدل بين أجزاء العمل الفني. أما في أعماله المصغرة (المنياتور) والتي عالجها أيضاً وفق تقنية المزاوجة ما بين الطبع الثنائي (دايوتايب) والمواد الوسيطة المتنوعة فسنكتفي بما سطرته أنامل فنان العراق الكبير والناقد التشكيلي الدولي الأستاذ شاكر حسن آل سعيد في معرض تناوله لأعمال الفنان فتوحي: (أن موقف عامر فتوحي في مصغراته المرسومة على الورق لهو موقف جدير بالتأمل، إذ يعامل فيه الفنان (تجاوزه) للمعطيات الشخصية في الرسوم الحديثة بما يحاول هو أن يغدقه من أهتمامات تقنية تستهدف الكشف عن (رمزية) الأشكال والخطوط والألوان في اللوحة).

أن معرض الفنان فتوحي في المركز الثقافي الأسباني / عمان، ليس إضافة لمجمل التطورات التي شهدتها ساحة الفن التشكيلي العراقي وإنما هيّ من زاوية أوسع إضافة ثرة وحقيقية للفن بمعناه الشمولي.
هنا لا يسعنا إلا أن نبارك معارض من هذا النوع لما تمثله من إضافة نوعية لمشهدنا التشكيلي، ولا يسعنا أيضاً إلا أن نبارك من يقف خلف تقديم وإنجاح تجارب من هذا النوع لأنها وبحق الفن الذي سيكون.

جريدة الدستور (عمّان) - الخميس 13 / 10 / 1994م