الفنان عامر فتوحي في ( البحث عن فردوس آخر)
العمل على السطوح كعنصر أساسي في اللوحة
الرأي - محمد العامري


الفنان والناقد التشكيلي العراقي عامر فتوحي هو أحد الفنانين الشباب الذين أثبتوا حضورهم على الساحة التشكيلية ويتصف الفنان فتوحي بقدرته على أختبار موضوع البحث والتجريد ضمن قاعدة فنية صلبة، والفنان فتوحي فائز بجائزة النقاد الخاصة في مهرجان الواسطي الرابع وله إسهامات مهمة على صعيد الكتابة في النقد التشكيلي إضافة إلى ترجماته في الفن التشكيلي وقد أصدر رواية عن دار القادسية للطباعة والنشر.

في معرضه الأخير والذي أقيم في المركز الثقافي الأسباني والذي يحمل عنوان (البحث عن فردوس آخر). سنحاول في هذه القراءة أن نتلمس متطلبات العمل التشكيلي الذي يطرحه فتوحي. نلاحظ أن الفنان فتوحي يبحث دائماً في الميثولوجيا وتوظيفها في اللوحة التشكيلية المعاصرة وهو يبتعد كل البعد عن الهتافية في العمل التشكيلي. عامر فتوحي يطرح العمل دون الحساب للمشاهد فهو يطرح عملاً تشكيلياً عالياً يحتاج إلى مشاهد يمتلك الخبرة الكافية لتحليل العمل وسبر أعماقه. حيث يقول عنه الناقد فاروق يوسف أن الفنان فتوحي يسعى إلى أن تجلب عليه أعماله لعنة المحافظين وأسئلة المحدثين.

وبالفعل فأن فن فتوحي يملك مخيلة مختلفة إلى حد ما محاولاً بذلك الخروج عن نظرية الجمال السائدة إبتداء من معرضه (الزمن الصعب) ومروراً ما بين -بيت- الجنون ومشاركاته الجماعية ، فهو دائم الفضح اتجاه أعماله فهو كأبطال كافكا الذين يتسلون في عذاباتهم ، فقد ظهرت أشكاله منذ معارضه الأولى فيلاحظ التخطيطات الواضحة التي تحمل في بعض أجزاء اللوحة الغموض الذي يتكيء على الذاكرة الأسطورية الموروثة والتي يحملها الحديث الشعبي المتوارث في الدين والخرافة. فهو يوظف الرمز والرقم لخدمة اللوحة كفعل إشاري دلالي يزخر بالجماليات البدائية ولكن الفنان فتوحي قد تخلص من العناصر الواضحة في معرضه ( البحث عن فردوس آخر) حيث يظهر في المعرض التحليل اللوني المعتمد على التجريب للخروج بحساسية ونتائج مذهلة مشكلة بذلك سطوحاً لونية ذات تأثيرات جمالية خاصة ومؤثرة في عين المشاهد فنلاحظ أعتماد الفنان على الخلط بأكثر من مادة للخروج بمعادل لوني جديد ومبتكر ، فهو يعمل على حساسية السطوح بشكل رائع ومدهش.

والفنان فتوحي فنان منمنم يعمل على سطوح صغيرة بعيدة عن روح الفن الإسلامي وكما يقول الفنان شاكر حسن آل سعيد يصف أعمال فتوحي حيث يقول: أن فن فتوحي هو فن ما بعد التجريد ولا سيما وأن المراحل التي مر بها بها تؤكد مدى تضلعه بهضم تطورات الفن العالمي ، والكلام لشاكر حسن آل سعيد.

والمتأمل لأعمال فتوحي يلاحظ ابتعاده عن الصرعات الغربية أتجاه التأثر بها ، فهو يستقي من الكتابة الأوروكية والسومرية (التي وجدت في الألف الرابع قبل الميلاد) فضاءات وتشكيلات أعماله، فهي أعمال ذات طابع غني يستند في تنظيره الفني إلى العمق الحضاري العربي* بشكل معاصر ومدروس. فهو يبني عمله الفني بأكثر من طبقة لونية حيث يصبح السطح لديه المحور المهم في العمل مكملاً بذلك بالرموز والأرقام والأشكال الهندسية المغلقة تارة والمفتوحة في بعض الأحيان ، فهو يعتمد فن (الدايوتايب) أي الطبع الثنائي وهذا يساعد الفنان في الحصول على نتائج لونية مركبة تغني سطح اللوحة، ونلاحظ أيضاً أعتماد الفنان على الرموز الدلالية كالهلال والعين المتقاطعة والنجمة وجذوع النباتات وشكل اليد البدائي ، كل هذا تجده منشوراً على سطح اللوحة ضمن منظومة دلالية تدل على لوحة معاصرة رموزها مأخوذة من ألاف السنين ، والمشاهد يلاحظ عنصر التبسيط في أشكال عامر والأختزال إلى حد أقترابه من فن الكهوف التي وجدت كأثر للإنسان البدائي وقد وظف هذا التبسيط بشكل جمالي معاصر يخدم العمل الفني.

ونلاحظ ظهور المثلث كدلالة على ثلاثية التركيب على صعيد اللون والحركة ففي بعض الأعمال تجد أن اللوحة هيّ عبارة عن ثلاثة ألوان متوالية بشكل جمالي عالي حيث تجد اللون الحار يطفو على سطح لون بارد ويقطع اللوحة جميعها لون بارد آخر على شكل مثلث مفتوح متوافق وفكرة اللوحة ، ويعتمد الفنان في معظم أعماله على تقطيع العمل إلى وحدات هندسية غير منتظمة كل وحدة من هذه الوحدات تنسجم مع الجو العام للعمل ولا تشكل نشازاً فنياً بل تغني وتقوي في بناء العمل وتحفظ أتزانه فيبدو العمل متحركاً بشكل دوراني وثابتاً في الحقيقة. نستطيع أن نطلق عليه فكرة المتحول الثابت.

الرأي (عمّان / الأردن) - العدد 8833 السنة الرابعة والعشرون ، الجمعة 28 / تشرين الأول/ 1994م

* أن مفهوم العربي لدى كتّاب الدول الناطقة بالعربية هو فهم إفتراضي شائع رغم عدم واقعيته ... (عامر فتوحي)