عامر فتوحي ومعرضه (البحث عن فردوس آخر)
العرب العالمية - لندن / عمّان - مصطفى الهاشمي


(كلما ضاقت بي الأرض
تناهى الحلم وأمتد الفضاء
فأنا كالنورس الصادي
إذا ما ضاق حلمي أموت) ... من قصيدة محمد راضي جعفر

في غالري المركز الثقافي الأسباني بعمان يقيم الفنان عامر فتوحي معرضه الشخصي الرابع تحت عنوان (البحث عن فردوس آخر).
بعد أن ننهي مشاهدتنا المتأملة ل 48 لوحة هيّ حصيلة الأنجاز وبحكم التقنية العالية والجدل الذي نحسه قادماً من العمل نجد أنفسنا مقتنعين بأننا بحاجة لزيارات متتالية للمعرض حتى نستطيع التوالف المستغرق مع اللوحة، عامر فتوحي فنان حالم لا يجد على الأرض محطة ترسي بها أحلامه لهذا نراه ينطلق بلوحاته دون أن يقف في منتصف الطريق ليستريح. ومثل شيخ حمل معه ألماً يغرق بغواية تاريخية من رحلته السومرية نجد أنفسنا أمام فنان لا يرفض الفردوس الذي يؤمن به الناس، بل يقدم لنا الحد الوسط ما بين تطلعنا نحو الخلود وبين ما نعيشه من سلسلة رهيبة من الإندحارات.

اللوحة التي يقدمها لنا فتوحي تتدفق بالمعاني ونحتاج لأخراج الذاكرة لكي تكون الرؤية لدينا صافية. فهي لوحة متأصلة ومزدحمة لا نجد فيها صفاء اللون لكننا نجد وضوح الترابط بين التنظير والشكل، لهذا التلقائية السردية في اللوحة لا تنفذ من خلال نقطة الإرتكاز، بل تحولت اللوحة بكل تفاصيلها إلى نقطة تحاورك وهيّ تحاول النزوع من اللوحة.

الألوان عند فتوحي مزاوجة تنتقل من الخافت إلى الغامق وتبدأ بعد ذلك من التقارب المفتوح للون مستقل، لكن ليس بأساسي ونجده قد أستخدم الزيت والأكريلك والأحبار والطبع الثنائي وحتى الحفر على الخشب، من أجل أن يحاكي الموروث السومري الذي أستمد منه الإطار العام للوحاته الهادئة والتفاصلية. يصول التوتر في اللوحة ونحسها غاضبة مع أن البناء العام للوحة متوازن وهاديء والتشكيل عند فتوحي مسافة خطر ترمز للمفهوم الممتد بلا حدود، فهو (عالمي الحلم محلي اللغة)، والصراع الذي نعيشه مع فن فتوحي موقف إنسجامي بتفاضل منظوري وحدثي، وفتوحي يتعامل مع المتلقي بشفافية وغضب. ويظهر النقاء الإنساني المقدم لنا في لوحات فتوحي بدون أن يترك مجالاً لأن تبرز أي لوحة عادية وأجمل ما في المعرض، التواصل الذي يقدمه لنا فتوحي بلغة تستطيع أن تستفزك والحلم ليس كباقي الأحلام.

تجربة فتوحي كناقد تشكيلي أقام أكثر من معرض تجربة أغنته ولكنها كانت تبدو تاركة لبصماتها في تعامله مع المضمون والشكل والمعرض كله موقف فني من العالم ومن الناس يحاكم بدون إدانة ولكن بتشخيص مرير للفردوس الذي نبعد عنه أكثر من أن نقترب منه، ولكن الأمل عند فتوحي مفتوح لا يقهر فالذي يأتي هو الذي يدعونا لنتشارك مع الفنان في حلمه لأن نتطلع للبحث عن فردوس آخر.

جريدة العرب العالمية / لندن - السنة الثامنة عشر، العدد 4444- الثلاثاء 25 / 10 / 1994م